الفنان التشكيلي أكثم السلوم يحث ذواكر الأخشاب العتيقة لتقديم جمالياتها

دمشق
صحيفة تشرين
ثقافة وفنون
الخميس 9 كانون الأول 2010
علي الراعي «الأغراض القديمة» شكلت للفنان المسرحي الفرنسي «ميشيل لوبو» شخصيات جسدت كل عروضه المسرحية، إذ ألف لها النصوص العديدة،.

ومن ثم ضمنها بالكثير من الحوارات المفعمة بالصراع والدراما، التي شدت إليه الانتباه طوال عروضه المسرحية التي قدمها في أكثر من بلد في العالم منها سورية، وعندما سألته لماذا «الأغراض القديمة» لتكون هي شخصيات عروضه المسرحية، أجابني في ذات حوار: ‏

لأن لهذه الأغراض القديمة ذاكرة إنسانية، أحثها على تفريغها من خلال حوار مسرحي، هذا في المسرح، أما في التشكيل فطالما كان لهذه الأغراض القديمة من استحثها هي الأخرى على تفريغ تلك الذاكرة المخزنة ليطرحها لوناً وخطوطاً وتركيبات تشكيلية، وفي النحت وعلى وجه الخصوص النحت على الخشب، طالما كان للأشجار حكاياتها وذواكرها، إذ لايكمن إغواء النحت على الخشب، من كون الفنان التشكيلي يتعامل مع كائن حي، أو على الأقل هو كائن كان ذات حين حياً، ومن ثم فإن التعامل معه لابد من أخذ هذه الحالة بحساسية معينة، كأن تترك فسحة لهذا الكائن لئن يقدم هو نفسه بجمالية نابعة من روح هذا الكائن الحي - الشجرة- أي ثمة تنسيق -ربما- أو تواطؤ بين الفنان والخشب لتقديم حالة جمالية قد لاتوفرها خامة أخرى، أقول قد لايكون الإغواء كامناً هنا وحسب، فثمة إغواء آخر يكمن في الذاكرة التي توجد في أدراج هذا الكائن، هذه الذاكرة التي هي الأخرى تريد أن تسرد حكايتها بجمال تشكيلي خاص. ‏

الأخشاب موضوع للفن

‏

‏

ذلك الجمال التشكيلي ماتحصّل للفنان أكثم السلوم في معرضه الأحدث في صالة السيّد بدمشق، عندما ذهب باتجاه الأخشاب القديمة في البيوت الطينية العتيقة التي كانت «تعمّر» ذات يوم الكثير من بيوت السوريين وقراهم بالجمال والدفء قبل أن يقوم الاسمنت بهذا الدور بعد النصف الثاني من القرن العشرين، ويأخذ منها حميميتها، من هذه الأخشاب – سواميك وعوارض- ذات الذواكر الواسعة منها استمد السلوم تكويناته النحتية العديدة التي اشتغل عليها لمدة أكثر من سنتين، جمعها من قرى الساحل السوري، وأقام مع تلك الذواكر، أو من خلال «تعب» هذه الأشياء حواره التشكيلي الخاص، وعلى أساس هذه البنية الخيالية تملك كل صورة عدة قراءات، أو هي عودة للذاكرة الإنسانية التي تركها الإنسان عليها، وهو الذي قضى عمراً مع هذه الأخشاب، فكان ثمة الكثير من الحكايا التي تجسد بصرياً في هذه الأعمال النحتية، هذا الحوار الذي بدا بأكثر من مستوى وخطاب جمالي، منها الاختزالات الأنثوية، والأسماك، وتكاوين تجريدية، هذه المستويات تارةً يقدمها السلوم منفصلة هكذا، وحيناً يقدمها معاً في تكوين واحد، فقد أزحم الفنان الصالة بعدد كبير من المنحوتات التي اتخذت أحجاماً متعددة تراوحت بين المنحوتة الصغيرة، والمنحوتة المتوسطة التي تناسب أجواء الصالات باعتبار أن من النادر إقامة معارض للنحت، وإنما غالباً ملتقيات تحتاج إلى الفضاءات الواسعة. ‏

الانبساط والالتفاف

‏

في شغله النحتي يعمل السلوم على تقنيات الانبساط والالتفاف، أو هذا التكور في المنحوتة، إذ تتسامق أجساد النساء باختزالاتها طوراً، ومرة يسعى إلى ماتشكله التفافة ما، فينتج دائرة، أو فتحة فراغية في داخل المنحوتة، وينوّع عليها بالوجوه، أو الرؤوس التي غالباً مايكررها. ‏

هذه الاستطالات، أو التكويرات التي تأتي لحركة ما لرفة جناحين، أو نتيجة تكور أنثوي على نفسه، أو احتضان، الأمر الذي يعطي للعمل النحتي اللمسة الإنسانية التي كانت هاجس الفنان في شغله التشكيلي. ‏

في أعماله النحتية هذه، ثمة انجدال يُقيمه السلوم بين خامة المنحوتة التي يختارها -الشجرة- وبين تكثيف لحالة أنثوية، هذا التواشج الذي يظهر في أكثر من تشابك، أو تقاطع مع المرأة بقسوتها وحنانها وهشاشتها وما تدعيه من ضعف بذات الوقت، منحوتة السلوم تظهر على التخوم بين التجريد، والتجسيد، الأمر الذي يُشحن العمل النحتي بطاقة تعبيرية عالية، تبرز مقداراً كبيراً من الجمال، وهذا التعالق بين التجريد والتشخيص، وتحميل الحالات الإنسانية، التي هي تحديداً حالات أنثوية، كما استطاع أن يحمّل الخشب القديم إضافة لسرد مخزون الذاكرة الكثير من التأويلات، والقراءات، مما حمله من مثيولوجيا تجلت بالرموز التي حشدها مرةً على الأقدام أو فوق الرؤوس، أو بالتموجات والخطوط التي وزعها في أكثر من موضع في المنحوتة، مثل السمكة والطير على الرأس وانسيابية الموج، و.. غير ذلك. ‏