الثلاثاء, 14/05/2013 - 8:43م
كتب:
شفيق: رفض طنطاوي عرض مبارك بتعيينه نائباً
للرئيس مفضلاً وزارة الدفاع
اتصل عمر سليمان بمبارك طالباً تنحيه وقال
له «البلد حتولع»
«الحمساويون» حرروا مرسي من سجنه وأعطوه
هاتفاً للاتصال بـ«الجزيرة» ... مصر أصيبت بـ«سرطان الإخوان» وهم بلا خبرة وبرنامجهم
الحقيقي الإمارة
لماذا الفريق أحمد شفيق؟ الأسباب كثيرة.
لأنه كان رئيساً للوزراء حين تخلى الرئيس حسني مبارك عن السلطة. ولأن ضرورة التخلي
تبلورت في اجتماع ضم شفيق ونائب الرئيس عمر سليمان ووزير الدفاع المشير حسين طنطاوي.
غاب عمر سليمان وأخذ أسراره معه. ولا يزال طنطاوي معتصماً بصمته. لهذا، تسلط رواية
شفيق الضوء على ما جرى في أروقة القصر في تلك الأيام. أسباب أخرى لسؤال شفيق عن روايته.
الأرقام التي حققها حين نافس محمد مرسي في انتخابات الرئاسة كانت استثنائية وهو لا
يزال يتمسك بروايته أن «الإخوان» سرقوا الرئاسة بعدما سرقوا الثورة. ثم إن شفيق ابن
المؤسسة العسكرية التي ينظر المصريون إليها على أنها الضمانة بعدما أصيبت بلادهم بـ
«سرطان الإخوان» على حد قوله. سألت «الحياة» أحمد شفيق عن نهايات عهد مبارك وحكم «الإخوان»
وهنا نص الحلقة الأولى:
> ماذا فعلت حكومة الدكتور أحمد نظيف
بعد اندلاع الاحتجاجات في 25 يناير (كانون الثاني) 2011؟
- أول ما يرد إلى ذهني الآن هو اجتماع الحكومة
صباح 29 يناير عندما تقرر تغيير الحكومة.
> ماذا حصل في هذا الاجتماع الذي جاء
بعد يوم من انضمام جماعة «الإخوان المسلمين» إلى حركة الاحتجاجات؟
- ظهر أن الحركة عملياً مستمرة. في يوم
29 في الاجتماع كان الدكتور أحمد نظيف. قال إننا سنقدم خطاب استقالة وطبعاً بناء على
الطلب ابتسم نظيف قبل الاستقالة وقال: «الله يكون في عون من سيحل محلنا». كنت أقرأ
جسامة الموضوع على وجوه الحاضرين. هذا يعتبره موقفاً خطيراً جداً، وذاك يراه أقل خطورة.
أزعم أنني أستطيع قراءة الوجوه جيداً.
> ووزير الدفاع المشير حسين طنطاوي؟
- لم يحضر هذا الاجتماع. كان في مقر العلميات
في مركز القيادة بسبب الظروف. بانتهاء الاجتماع توجهت إلى مكتبي، وللأمانة تخيلت أنني
سأكلف تشكيل الوزارة بنسبة 80 في المئة. مرجعية ذلك أنني منذ ما يقارب حوالى ثلاث سنوات
سبقت هذه الأحداث كان يتردد اسمي مرشحاً تالياً لرئيس الوزراء. حتى إن الكثيرين كانوا
يتعاملون معي على هذا الأساس. وأذكر أن جريدة «وول ستريت» ذكرت هذا الموضوع تفصيلياً
ووضعت صورة لي ومقالاً لسياسي قدير في مصر اسمه أسامة الغزالي حرب، ونقلت عنه قوله
إن أحمد شفيق سيكمل المشوار، وقالت إنها اتصلت في القاهرة بمسؤولين وسياسيين ومواطنين
من الشارع والكل يقول إن أحمد شفيق سيكون رئيساً للوزراء أو أكثر من ذلك، وإنه يبدو
أن نجمه يبزغ في هذه الفترة. هذا على مدى السنوات السابقة. لماذا؟ لسبب بسيط، أن الطيران
المدني في هذه المرحلة والتي كنت قضيت فيها ست سنوات كان بؤرة نموذجية في الإدارة والنتائج
التي تحققت، فالناس تنظر إلى هذا الموضوع. ففي مرة بينما كنت عالقاً في زحمة السير
في المارينا، كان الشبان يتركون سياراتهم ويطلبون مني أن أكون رئيساً للوزراء لتسير
الأمور في شكل صحيح. كان معروفاً عني نوع من الانتظام في وزارة الطيران، وربما كانت
هذه المرجعية.
> تقصد أن كونك عسكرياً وإدارياً ذا
رؤيا ساهم في ذلك؟
- لا، ليس كوني عسكرياً لأنني لا أدعي أنه
كان لي طابع عسكري أكثر، لكنني اعتبرت ناجحاً في وزارة الطيران.
> في اجتماع 29 يناير كان لديك شعور
بأنك ستكلف؟
- نعم، وكان شعوراً قوياً. وفعلاً حين وصلت
إلى المكتب اتصل بي رئيس ديوان الرئاسة زكريا عزمي، وقال هل أنت في المكتب، فأجبته
نعم. فطلب مني أن أبقى في المكتب لاحتمال أن يطلبني. وبعد خمس دقائق قال لي من الأفضل
أن تكون عندنا هنا لأنني أعلم أنك ستُطلب. لم يكن طلب منه أن يدعوني، لكنه طلب مني
المجيء، وما حصل فعلاً أنه بمجيئي إلى المكتب كان يبدو أن رئيس الدولة في حينه قال
لهم استدعوا الفريق أحمد شفيق.
> زكريا عزمي كان صاحب دور فاعل في عهد
مبارك؟
- طبعاً، كان قريباً جداً لكنه كان يخشى
الرئيس كثيراً. يخشى تقلّب مزاجه.
> مبارك صاحب مزاج متقلب؟
- أنا تحدثت عن الرئيس مبارك في مجلة كانت
في عددها الأول وطلبوا أن أكون شخصية العدد. من ضمن الأسئلة التي وضعوها كتابة: من
تراه مثلاً أعلى، فقلت والدي ووالدي ووالدي، ثم قلت بالقدرة على الفصل بين العمل والعلاقة
الخاصة فإن حسني مبارك يمكن أن يعتبر مثلاً أعلى في ذلك. في يوم من الأيام، أحد مقدمي
البرامج في التلفزيون بعد الثورة كان مغرضاً في تفكيره كما لو أنه يقبض على خطأ قاتل،
استعمل هذا الكلام، لكنني قلت له اقرأ الجريدة جيداً وافهم معنى كلامي. تعاطى مع القضية
كأنه عثر على ثروة. ما كنت أقوله إن حسني مبارك كان عنده قدرة فائقة على الفصل بين
العلاقة الشخصية واحتياجات العمل وبالتالي من كان يأمن جانبه ويزيح الكلفة بينه وبين
مبارك كان يعرض نفسه لخطورة شديدة. وأنا إن كنت نجحت في موقعي لفترة طويلة جداً، لم
يوجه ضدي خلالها أي تصرف حاد، مع أنه كان هناك الكثير من التصرفات الحادة من قبل حسني
مبارك تجاه أشخاص يعملون معه عندما يخلطون بين العمل والعلاقات العامة ويعتقدون أنهم
وصلوا إلى درجة من العلاقة تتيح لهم المونة أو التأثير.
> كان صارماً؟
- كان صارماً في قيادته بصفة عامة، لكنه
قد يخادعك بسلوك في غاية البساطة وعليك ألا تنخدع وتلتزم في خطك إن كنت ترغب في أن
تستمر محترماً ومحافظاً على وضعك.
> هل كان أكبر خطأ ارتكبه مبارك هو قبوله
بمسألة التوريث؟
- لا أعرف تماماً ما كان يضمره. كان يعلن
أنه لا يقبل التوريث ولا يريده ولا يعمل له، هذا كان يقال وكان يعلنه. لكن الله يعلم
ما في القلب. سئل مرة أخرى، لماذا يمارس نجله جمال هذا الدور؟ فأجاب أن الرئيس فلان
والرئيس فلان يساعدهما أبناؤهما.
> من كان يقصد؟
- ربما كان يقصد الرئيس جاك شيراك الذي
كانت ابنته تساعده في يوم من الأيام.
> هل تحدث عن تجربة التوريث في سورية؟
- أنا لم أسمع منه ذلك. الغموض وبعض الممارسات
كل ذلك أشعر الجمهور بأن التوريث خطة أكيدة آتية. ما كان يمارسه نجله جمال أوحى بأنه
أكثر من مجرد معاون.
> يقال إن هذا الموضوع من الأسباب التي
فجرت الغضب الشعبي؟
- هذا أكيد. إلى جانب عوامل أخرى.
> هل كنت معارضاً للتوريث؟
- بكل تأكيد كنت معارضاً للتوريث. وبالتأكيد
لو أن الرئيس مبارك سألني كنت سأقول له إنني معارض للتوريث. ولمّا كان الرئيس مبارك
يسألني عن شيء، كنت أقول إنني أعارضه أو لا أعارضه، وكان من المعروف عني أنني مباشر
جداً في ردي. إن الأمر لا يتعلق بالشخص بل بمصلحة البلد ومصلحة الديموقراطية.
> وتزوير الانتخابات؟
- طبعاً، الحقيقة أن تزوير الانتخابات كان
يتم في درجة أو أخرى دائماً، وهذا عيب في الساحة المصرية. حين كان الموضوع استفتاء
على شخص الرئيس لم يكن من داعٍ للتزوير ولا فرق ما إذا أحرز 99 في المئة أم 90 في المئة.
لكن، ظهرت نماذج التزوير بوضوح حين كانت هناك انتخابات. في عام 2005 على 3 مراحل، في
المرحلتين الأولى والثانية نال «الإخوان» 88 مقعداً، وبما أن الموضوع كان يتم بالتنسيق
مبدئياً بين حزب الغالبية و «الإخوان» ومباحث أمن الدولة، يبدو أن عددهم زاد عن العيار
المقدر لهم وكان لا يزال هناك مرحلة ثالثة. من التساؤلات التي راودتني أنني توقعت أن
«الإخوان» في الثالثة لن يحرزوا شيئاً ولم يحرزوا. هكذا، ومن دون أن يبلغني أحد بوجود
تزوير عرفت أن هناك تزويراً ولن نضحك على بعض، ومع ذلك مارس «الإخوان» دورهم بـ88 عضواً
وكانوا على علاقة طيبة جداً وسلسلة جداً مع النظام الحاكم حتى إن الأخ الدكتور زكريا
عزمي في يوم خروجه من السجن منذ حوالى شهر أدلى بتصريح غريب. سئل عن الرئيس الحالي،
فقال الرئيس الحالي رجل عادل وأذكر له أنه أثناء التنسيق على دوائر مجلس الشعب كان
يخطط أن يترك دائرتي خالية من غير مرشح «إخواني» لأفوز في الدائرة.
> في أي انتخابات كان ذلك؟
- في الانتخابات السابقة. ليس هناك ما هو
أكثر وضوحاً.
> ذهبت إلى زكريا عزمي، أي إلى القصر؟
- نعم إلى القصر، على باب المصعد التقيت
جمال مبارك. كان يقف وحده. وكانت الظروف صعبة على الجميع. قال لي أنا استقلت من الحزب
ومن كل العمل الذي أمارسه وأنا في المنزل ومتوقف عن أي عمل، ثم تدارك وقال إذا كان
هناك من سؤال لي في أي وقت فأنا جاهز لأجيب. دخلت إلى السكرتاريا فقالوا لي: المشير
محمد حسين طنطاوي لا يزال في الداخل، كان الوقت المقدر له ربع ساعة لكنه في الداخل
منذ ساعة وربع الساعة. بعد دقائق خرج من اتجاه لم أره وطلبوا مني أن أدخل لالتقي الرئيس
لأن المشير انصرف.
التقيت الرئيس يوم 29، وهو يتسم بالقدرة
على التحمل وإخفاء المشاعر. وجدته جالساً في شكل طبيعي، ولم يكن التوتر بادياً عليه،
قال لي أنا أرسلت في طلبك لأبلغك أنني أرغب في أن تشكل الوزارة الجديدة، وها أنت كنت
في الوزارة القديمة لتسع سنوات وأنت تعلم خبايا الموضوع وملم به. أعتقد أنه كان هناك
درجة وثوق كبيرة بي، سواء في الخدمة العسكرية التي اطلع عليها جيداً أو في خدمتي الناجحة
في وزارة الطيران.
سرد لي ماذا دار بينه وبين المشير. قال
لي إنه أمضى أكثر من ساعة في إقناع المشير ليتولى منصب نائب رئيس الجمهورية لكنه رفض
بإصرار. استغربت وقلت له: هل حضرتك تقصد منصب نائب رئيس الجمهورية أو منصب مساعد أو
مستشار فقال: لا، نائب رئيس الجمهورية، ورفض بإصرار. دهشت.
> ومن كان مرشحاً لمنصب نائب رئيس الجمهورية؟
- قيل في وقت من الأوقات الوزير عمر سليمان
لكنه لم يرشح. وأنا أعتقد أن حسني مبارك لم يكن ليعين نائباً للرئيس لو شعر بأن التوريث
يمكن أن يمر لكن الأوضاع كانت تملي عليه أن يفعل شيئاً.
> هذا بعد حواره مع المشير؟
- نعم، قال لي الرئيس مبارك إنه قال لطنطاوي:
لن ينفع يا سيادة المشير لأن الفريق أحمد شفيق في الخارج الآن وأنا سأكلفه رئيساً للوزراء.
> ما الذي لا ينفع؟
- المشير طنطاوي يسبقني في الأقدمية، ولا
ينفع في العرف أن يستمر كما طلب أي أن يحتفظ بوزارة الدفاع. قال له الرئيس لن يستقيم
الوضع. فقال المشير ليس هناك حرج أبداً. وفي الحقيقة ليس هناك حرج في الأقدمية لأنني
أقدم بكثير في الحياة العملية من أحمد نظيف. وأحمد نظيف كان يرأس الوزارة التي تضم
حسين طنطاوي. استرسل الرئيس السابق وقال له: أنا أقول لك مرة ثانية يا حسين إن أحمد
شفيق سيمسك (رئاسة) الوزارة، وأحمد شفيق ليس سهلاً وأنت تعلم ذلك.
هذا ما قاله لي الرئيس السابق. رد طنطاوي:
العلاقة بيني وبين أحمد شفيق جيدة، ولا تقلق يا سيادة الرئيس أنا راضٍ تماماً.
> لماذا رفض منصب نائب الرئيس؟
- أعتقد أنه افترض أن منصب وزير الدفاع
أكثر أهمية في ظروف حرجة لا يمكن التكهن بالاتجاه الذي يمكن أن تأخذه.
> هل تركها لعمر سليمان؟
- لا أدعي أنني أعرف تفسيراً جاهزاً. ولا
أريد اعتماد تفسيرات أخرى. من بين الكلام الذي تردد هو أنه اعتبر وزارة الدفاع الموقع
الأفضل الذي يؤهله لولوج مرحلة جديدة كانت تبدو غامضة أو مظلمة.
> كيف كانت علاقة طنطاوي بعمر سليمان؟
- يظهران المحبة الواحد للآخر، لكن، أعتقد
أن المسايرة العلنية لا تلغي وجود مشاعر ناتجة من شيء من المنافسة. والموضوع له تاريخ،
في وقت من الأوقات وفي غضون حرب تحرير الكويت كان عمر سليمان مديراً للاستخبارات الحربية
وكان طنطاوي رئيساً لهيئة العمليات، وكان مبارك يعتمد عليهما سوياً ذهاباً وعودة من
حفر الباطن في السعودية فترة التجهيز والإعداد وهو كان قلقاً جداً في هذه المرحلة.
> مم كان قلقاً؟
- كان قلقا من تبعات مشاركة مصر في العمليات
القتالية. وأنا أستطيع أن أدعي أنني من أكثر الناس فهماً لطبيعة حسني مبارك.
> خائفاً من ردود شعبية؟
- لم يكن يريد أن ينغمس. هو يجري حساباته
بدقة وتأنٍّ، ولم يرد أن ينغمس، حتى إنه أصدر قراراً متأخراً قال فيه إن القوات لن
تدخل الحدود العراقية. وأنا كنت حينها أحد العاملين في تجهيز الطيران للتحرك، ليذهب
مع القوات المصرية، قد أدعي أنني في داخلي كنت أتوقع أنه إعداد صوري وأن الطيران لن
يذهب على رغم كل التجهيزات، لسبب أن الطيران لن تستطيع أن تطلب منه ألا يتخطى الحدود
وهكذا ستجد طائرة أسقطت في الداخل وتواجه اشتباكاً. وكما توقعت صدر القرار بعدم تخطي
الحدود. نحن في الخارج نساهم مع القوات الأميركية والدولية في إزاحة القوات العراقية
من الكويت. ولم يذهب الطيران.
> الحساسية بين سليمان وطنطاوي منذ ذلك
التاريخ؟
- كانا في سباق. هما من الدفعة نفسها، والأسبقية
ستة أشهر. عمر سليمان أقدم بستة أشهر من طنطاوي. كان حينها كل ما يطمح إليه كل منهما
هو منصب رئيس أركان القوات المسلحة.
> كان عمر سليمان يريد أن يكون رئيساً
للأركان؟
- جداً، وحسين طنطاوي أيضاً. كل منهما لم
يكن له هدف آخر. وكل منهما ينزل من الطائرة من حفر الباطن إلى منزل الرئيس مبارك. لم
يكن الوزير يذهب ولا رئيس الأركان، قد يذهبان شكلياً، لكنهما كانا الحصانين الذين يتحركان
حينها. وفجأة بعد استقرار الأمور نقل عمر سليمان إلى الاستخبارات العامة وطنطاوي إلى
وزارة الدفاع.
> إذاً، لم يعينه رئيساً للأركان بل
وزيراً؟
- مباشرة، أصبح عمر سليمان في الاستخبارات
العامة وهي قريبة جداً من الرئيس، وطنطاوي في الجيش. الدرجة الرسمية لرئيس الاستخبارات
العامة أقل من أي وزير. هو وزير لكن في الآخر. طبعاً نحن بشر. حسين طنطاوي عين وزيراً
أول وعمر سليمان بعد آخر وزير بينما هو قد يكون الأقرب إلى رئيس الجمهورية. مواقع وحساسيات
ونحن في النهاية بشر.
> أسأل مجدداً لماذا اعتذر طنطاوي؟
- لن أفترض أنه قدّر أن حسني مبارك سيتنحى
وأنه سيتولى.
> نتحدث هنا عن 29 يناير؟
- قال لي الرئيس مبارك أنا أرسلت في طلب
عمر سليمان ليكون نائباً للرئيس. أعكف الليلة على إعداد لائحة بأسماء الوزراء وأتمنى
أن تستبقي لي فقط اثنين يهمني وجودهما. أحدهما وزير العدل ممدوح مرعي وهذا الرجل كان
البعض يكرهه وفي الميدان كان الشبان يكرهونه وكانوا يعتقدون أنه كان كرئيس للمحكمة
الدستورية يطبخ نتائج الانتخابات مع الرئيس. الحقيقة أن أي واحد في هذا الموقع سيطبخ
نتائج الانتخابات مع الرئيس في الأجواء التي كانت سائدة. لكنه وبالتعامل المباشر معه
لسنوات كان أكثر رجال الوزارة رجولة وإخلاصاً للوطن. الناس لا يعلمون أنه كان يقف جداراً
صلباً وينفعل في حال وجود تصرفات غير سليمة. الوزير الآخر الذي طلبه كان طبعاً إضافة
إلى جانب المشير طنطاوي الذي كان تقرر بقاؤه، هو وزير الخارجية أحمد أبو الغيط، على
رغم أن الناس كانت تستشعر أن أبو الغيط بصدد المغادرة.
> كان يحب أحمد أبو الغيط؟
- اكتشفت أنه يحبه. ولا نستطيع أن ننسى
أن دور وزير الخارجية مكمل لدور الرئيس في الشأن الخارجي.
> لم يكن مبارك يحب عمرو موسى؟
- في البداية كان قريباً منه. مبارك وقف
موقفاً صلباً جداً يوم اجتياح الكويت. قد يكون حسني مبارك أكثر الرؤساء العرب صلابة
في هذا الموقف، ولو اطلعت على التسجيل الخاص بالقمة العربية التي عقدت في القاهرة تجد
أنه كان يدير اللقاء بمنتهى الحزم والحسم. ربما كان لديه غصة فقد تردد أنه طمأن أمير
الكويت وقال له: «لا تقلق صدام حسين لن يقدر على فعل شيء». هذا على رغم أن صور الاستخبارات
أوحت بأن التعبئة على الحدود ليست تعبئة للمناورة بل للاحتلال، هجوم واحتلال واستقرار.
كان موقف مبارك حازماً وحتى اليوم تحمل
الكويت لحسني مبارك جميلاً كبيراً جداً بسبب موقفه حتى انتهاء تحرير الكويت وتعاونه
مع الأميركيين وسلاسته في التصرف مع بوش الأب ما سهل العملية ككل.
> لم يكن يحب عمرو موسى؟
- أحضره وهو كان رئيس وفد مصر لدى الأمم
المتحدة، وجعله يحضر مؤتمر القمة إلى جانبه، على رغم وجود وزير الخارجية. كلنا استنتجنا
أن عمرو موسى سيكون الوزير المقبل. كان يحبه لكن الأمور تتغير.
> بسبب نجومية عمرو موسى؟
- طبعا عمرو موسى لا يكره النجومية وهذا
قد يكون سبباً. أعتقد أنه أصبح هناك جفاء غير معلن. هناك أيضاً الاختلاف في الرأي.
عمرو موسى كان أحياناً يخالف حسني مبارك في الرأي أمام المجتمع العربي الحاضر في اللقاء.
إن من يتحمل المسؤولية الأخيرة للسياسات هو رئيس الجمهورية وليس وزير الخارجية. من
السهل انتقاد إسرائيل والمشاكسة في هذا الموضوع. هكذا، راجت أغنية شعبولا: أنا بكره
إسرائيل وبحب عمرو موسى. إنه أسلوب عمرو موسى.
> فلنرجع إلى الاجتماع.
- قبل أن أخرج، طلب مني أن استبقي وزير
العدل وأبو الغيط، وفي الاثنين لم يكن غضاضة، فأنا سأشرك عدداً من الوزراء الموجودين.
لما وصلت إلى منزلي ليلاً، اتصل بي مبارك، وقال لي ما رأيك يا أحمد في أن تستبقي أنس
الفقي وزيراً للشباب. كان الفقي قبل ذلك وزيراً للإعلام. قلت له يا سيادة الرئيس هذا
صعب جداً، هو كان وزيراً للشباب وأتينا به وزيراً للإعلام وليس مناسباً أن نعيده وزيراً
للشباب الآن. قال معليش.
في اليوم التالي أعددت نفسي وحلفنا اليمين
في 31 يناير، وأبقيت أنس وزيراً للإعلام لأنني وجدت أن لا معنى له في وزارة الشباب.
أنا ليس لدي مانع في إجراء تغيير كل 15 يوماً. أنا عينت في مصر للطيران شخصاً وبعد
عشرة أشهر قلت له اختياري كان خطأ وتفضل.
> لم يطلب مبارك شيئاً في ما يتعلق بوزارة
الداخلية؟
- أبداً، أدت الحكومة اليمين الدستورية
في 31 يناير وبعد حوالى ثلاثة أسابيع أجريت تعديلاً وزارياً.
قبل ذلك كنت قرأت مع زكريا عزمي لائحة الأسماء
المقترحة. المشير كان جالساً، وقرأ الأسماء. وصل إلى اسم سامح فهمي، ولم يقل أريده.
قال هذا الرجل ليس سيئاً. لذلك، استبقيت سامح فهمي وزيراً للبترول، لأنه لم يكن واضحاً
أمامي من سيمسك هذه الحقيبة. بدا كمن ينوه بالرجل بطريقة مخففة.
> ماذا قال مبارك عما يحصل في البلد
خلال جلسة تكليفك؟
- لم يتكلم تقريباً عن هذا الأمر. كان يتحدث
عن التكليف، افترض أنني أعيش الأحداث كعضو في الوزارة.
> لم يكن لديه شعور بالخطر؟
- أكاد أقول إنه في اليوم الأخير له وبينما
كان يخرج من الرئاسة، وخطابه المقبل هو خطاب التفويض الذي سيذيعه عمر سليمان غادر من
دون أن تظهر على ملامحه أية مشاعر استثنائية. هذه طبيعته ويجيد ضبط انفعالاته ومشاعره.
> وفي جلسة القسم؟
- عقدنا الاجتماع الأول معه. قال الرئيس
كلاماً عاماً عن الإصلاح. افترض أننا وزارة ستتصرف أحسن من التي سبقتها. دعانا إلى
مراقبة الثغرات التي كانت موجودة، لكن لم يكن هناك تركيز كبير على أي شي، بل كلام عن
الإصلاح بصفة عامة.
> أعطيت الداخلية لمحمود وجدي؟
- نعم، وهو لواء في الشرطة. تعمدت أن أختاره
من خارج مباحث أمن الدولة. كانت حصلت غصة من رجال أمن الدولة الذين أمسكوا الداخلية،
على رغم أنهم لم يكونوا كلهم سيئين، بل كان بينهم أشخاص جيدون. وفي الوقت نفسه أتيت
به لأن أساسه من المباحث الجنائية، إضافة إلى أن الجزء البحثي موجود فيه أي البحث عن
الجرائم.
> وهل اعتبرت شخصياً أن الوضع بالغ الخطورة؟
- طبعاً، كانت الصورة واضحة والشاشات تتناقل
ما يجري. أعتقد في اليوم السابق لما سمي معركة الجمل وخلال الليل وبينما كنت في بيتي
رأيت سيارات تنزل علب كرتون قيل إنها تحوي زجاجات مولوتوف. سيارات تفرغ حمولتها. هناك
أمر ما يدور، وهناك جهة ما سمحت بمثل هذا الفلتان لإدخال هذه الأمور.
> ماذا كان دورك بالتحديد؟
- في الواقع دوري تسيير أمور الدولة. أما
ما يدور في الميدان فرئيس الدولة موجود وقائد الجيش معه على الهاتف في كل دقيقة، وتستطيع
أن تقول إنه كانت تصلني معلومات عن الميدان لكن، لم يكن عندي تدخل فيه لأن الموضوع
صار عسكرياً مئة في المئة. ومن كان يدير شؤون الميدان قائد المنطقة العسكرية المركزية.
المشير يتناول الأمور مع الرئيس.
> مبارك قال لك إنه سيرسل في طلب عمر
سليمان، هل أرسل في طلبه؟
- نعم، جاء عمر سليمان. وحلف اليمين وصار
له مكتب في قصر الاتحادية حيث أدت حكومتي اليمين.
> وصار عمر سليمان نائباً للرئيس؟
- نعم، الحكومة التي أرأسها عاشت 34 يوماً
أي إلى الأسبوع الأول من مارس (آذار).
> ماذا سبق تخلي مبارك في 11 فبراير
(شباط)؟
- كانت هناك لقاءات كثيرة في الاتحادية
بين مسؤولي الدولة سواء في حضور الرئيس أو غيابه. في هذه اللقاءات كان يشارك الدكتور
فتحي سرور رئيس مجلس الشعب وصفوت الشريف رئيس مجلس الشورى وزكريا عزمي رئيس الديوان
وعمر سليمان نائب الرئيس وحسين طنطاوي وزير الدفاع وأنا كرئيس للوزارة ووزير الإعلام
في الكثير من الأحيان.
> ماذا كان يحكى في هذه اللقاءات؟
- كل لقاء كانت له طبيعته وهي كانت في إطار
السعي لاحتواء الموقف.
كانوا ثلاثة في الغرفة وكانت البلاد مشتعلة
بالتظاهرات والاعتصامات. عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية وأحمد شفيق رئيس الوزراء والمشير
حسين طنطاوي وزير الدفاع. كان واضحاً أن عهد مبارك قد انتهى وأن الجموع الغاضبة في
الميادين لن تتركه يكمل ولايته حتى ولو انتقلت صلاحياته إلى نائبه. كان لا بد من بيان
ولا بد من اتصال صعب بالرئيس الذي ارتقوا المواقع في عهده ولم يتردد عمر سليمان في
القيام بهذه المهمة الصعبة. كان لا بد من ذهاب مبارك لكن ذلك لا يعني أن الثلاثة كانوا
يملكون تصوراً موحداً لما بعد ذهابه أو أن حساباتهم كانت متطابقة. يروي أحمد شفيق لـ
«الحياة» قصة تلك الأيام الصعبة وهنا نص الحلقة الثانية:
> هل كان لدى عمر سليمان تصوّر للمعالجة؟
- قال لي عمر سليمان ذات يوم وهو متألم:
«لو عيّنني الرئيس في هذا المنصب قبل سنة، لكان الموضوع مختلفاً اليوم». أي لو أن الدولة
أخذت شكلها الجديد منذ سنة، والذي كانت الناس تطالب به، لما حدث ما حدث لاحقاً. فالثورة،
عندما اندلعت، لم تكن تهدف إلا إلى تغيير بعض التنظيمات الموجودة، واختفاء بعض الوجوه
من الساحة السياسية. لم يكن مطلوباً أكثر من ذلك. وهي المرحلة التي قال فيها «الإخوان»
إنهم لا يتفقون مع المتظاهرين.
> في البداية لم تكن إطاحة النظام مطروحة؟
- لا، لم تكن المطالب الأولى (للثورة) إطاحة
النظام، بل إجراء بعض التعديلات، وحلّ مجلس الشعب، وإلغاء نتائج الانتخابات (التي أجريت
في 2010)، وبعض التغييرات الأخرى.
> وهل كان عمر سليمان متفهماً لهذه المطالب؟
- كان سليمان يتكلم معي أحياناً. وكانت
هناك قناعة بأنه لا بد من إجراء عدد من التغييرات. للأسف قبل الأحداث لعب حديث التوريث
دوراً في إثارة غضب الناس.
> وهو معارض للتوريث؟
- طبعاً، طبعاً. ولكن لم أكن أعرف ماذا
كان يقول للرئيس في جلساته الخاصة معه.
> عمرو موسى قال لـ «الحياة» إن عمر
سليمان والمشير حسين طنطاوي كانا معارضين للتوريث.
- نعم، بالتأكيد. لم يكن أحد موافقاً على
التوريث. باستثناء من كان سيستفيد استفادة مباشرة من الأمر.
> هل يعني ذلك أن أنس الفقي كان مع التوريث...؟
- كان عليه أن يكون مع التوريث، كواحد من
المجموعة المؤيدة لذلك.
> وما كان رأي طنطاوي في المعالجة؟
- كان مشغولاً بالميدان. وأذكر في أحد لقاءاتنا،
وقد اقتربنا من مرحلة ترك إدارة البلاد لعمر سليمان، وليس التنحي الكامل (للرئيس حسني
مبارك)، كنا اطلعنا على الخطاب الذي سيلقيه الرئيس من أجل ترك المهام لسليمان ريثما
يأتي شهر أيلول (سبتمبر) 2011، عندما يغادر نهائياً بسبب انتهاء ولايته. كنا جميعاً
مجتمعين حول الرئيس. وأذكر تماماً، أن الرئيس أشار بيديه إلى طنطاوي قائلاً: «أين هم
رجالك الأشداء يا حسين»؟ فردّ المشير، وكان أول رد مباشر أمامنا في هذا الشكل، قائلاً:
«أنا مش ممكن أضرب (أطلق) نار يا ريّس». فرد عليه الرئيس بحدّة: «أنا لم أقل ضرب نار،
وأنا غير موافق على ضرب النار. أنا أقول لك: أين رجالك الأشداء. لأن الدبابة لا تنفع.
أين هم الرجال الذين يقفون في وجه المتظاهرين»؟
ثم انصرفنا، وريثما يأتي نص خطاب مبارك
مكتوباً، قال لنا الرئيس: «يا جماعة، الوقت تأخر، اجلسوا في الغرفة المجاورة وتناولوا
سندويشات أو أي شيء». دخلنا الغرفة المجاورة. وفيها، قال زكريا عزمي للمشير طنطاوي
ممازحاً: «ما تمسك البلد يا سيادة المشير وتخلصنا». فأجابه: «أنا لا أمسك بلاداً...
اعملوا مجلس رئاسة، أو أي حاجة». هذا مع العلم أننا كنا في صدد أن يتولى عمر سليمان
الأمور في البلاد. وهكذا، كان الكلام يخرج على عواهنه.
بعد فترة طويلة من الانتظار في الغرفة،
طُلب (بضم الطاء) عمر سليمان للدخول إلى الرئيس، وبعدها طُلب زكريا عزمي الذي لم يغب
طويلاً قبل أن يرجع ويقول لنا: «خلص مش حنشوف الخطاب النهار ده. الموضوع تغيّر مرة
ثانية».
> كنتم جئتم للاطلاع على الخطاب...؟
- كنا باعتبارنا مسؤولين في الدولة، يُستحسن
قبل ذهابنا أن نطلع على الصياغة الأخيرة للخطاب، بعدما حضرنا صياغته (الأولى).
> من صاغ هذا الخطاب؟
- أنا لم أكن حاضراً عند كتابته. ولكن علمنا
في تلك الجلسة أن الخطاب سيشمل كذا، ولن يشمل كذا.
وهكذا، دخل زكريا عزمي، وقال: إن الخطاب
لن يبصر النور اليوم، لأن بعض التعديلات ستدخل عليه مرة ثانية. وقيل بعد ذلك إن جمال
مبارك كان له مناقشة أخرى مع الرئيس، وبناء عليها سيحصل تغيير آخر في شكل الخطاب. هذا
الكلام تردد كثيراً بعدها. حدث ذلك يوم الأربعاء (9/2/2011)، وكان يفترض أن يذاع الخطاب
في اليوم التالي صباحاً بعد إعادة صياغته. ولكن لم يذع إلا في وقت متأخر من ليل الخميس.
وكان خطاباً مركباً، «وما شفناش حاجة منه». وكان غير موفق بالمرة.
> هل الرئيس هو الذي صاغه...؟
- نعم. قيل ذلك. وقيل أيضاً أن أنس الفقي
كان موجوداً مع جمال مبارك أثناء صياغته. قيل ذلك، ولكن لم أرَ ذلك بعيني. وأول ما
أذيع الخطاب، انفعل بعض المتظاهرين جداً (سلباً) في الميدان، على غير المتوقع. وذلك
على عكس الخطاب الذي قال فيه الرئيس: «إنني لن أتحرك وسأموت في مصر»، ما دفع أناساً
كثيرين إلى التعاطف الشديد معه.
كان ذلك يوم الخميس ليلاً. والموقف كان
سيئاً جداً على أثره. وصباح اليوم التالي في 11/2/2011، خرج الرئيس إلى شرم الشيخ قبل
صلاة الجمعة.
> عندما غادر الرئيس إلى شرم الشيخ صباح
الجمعة، رئيساً لمصر، كان على أساس أن يتولى عمر سليمان كل صلاحيات الرئيس لغاية أيلول
(سبتمبر)...
- نعم، ولكن خطابه ليل الخميس زاد الموقف
تأزماً. وكان رد فعل الشارع سيئاً بعد الخطاب. وبعد مغادرته إلى شرم الشيخ، اجتمعت
مع عمر سليمان وطلبنا وزيري الداخلية والخارجية. وبدأنا نستشعر أن وزير الدفاع لم يعد
متحمساً للحضور أو بات كثير الانشغال. قيل لنا أن المتظاهرين وصلوا إلى نفق العروبة.
وبالتالي، أصبحوا على بعد أمتار من سور القصر الرئاسي في الاتحادية. قررنا الانتقال
إلى مقر قيادة الحرس الجمهوري القريب من القصر وأن ندير الأمور من هناك. وكان هذا المكان
أكثر تحصيناً. وبينما كنا خارجين، التقينا وزيري الداخلية والخارجية، فاصطحبناهما معنا
إلى مقر الحرس حيث اجتمعنا معهما بحضور زكريا عزمي. ودخلنا مبنى قائد الحرس الجمهوري.
كنا نريد وزير الدفاع. ولكنه لم يكن يستطيع الحضور في ذلك الوقت. فكان علينا أن نذهب
إليه أنا وعمر سليمان، بعدما شعرنا أنه لن يأتي. ذهبنا إليه في مبنى القيادة في وزارة
الدفاع. التقينا به في استراحته، وأمامه المكتب الكبير للمجلس الأعلى للقوات المسلحة
وكان الجميع حاضراً. اجتمعنا ثلاثتنا في غرفة. وكانت الصورة واضحة تماماً. وكنت أكثر
جرأة في التوضيح. فقلت له: «يا سيادة المشير، امسك البلد. وخلينا نخلص من الموقف ده».
فارتبك قائلاً: «لا... لا». فنظرت إلى عينيه، وكانت لحظة هلع. قلت له: «الرئيس سيتنحى...
فامسك (تولَّ حكم) البلد أنت». فقال لي: «(الرئيس) لن يتنحى». فكررت كلمتي له. وقلت
لعمر سليمان: «قم يا عمر بيه، واتصل بالسيد الرئيس وقل له: الموقف منتهٍ. واستأذنه
أن يترك قيادة القوات المسلحة». فقام سليمان واتصل بالرئيس قائلاً له: «إن الموقف صعب،
ونحن نبلغ سيادتك أن الموقف صعب. ونحن مضطرون، ونرجو من سيادتك أن تنهي الموقف بترك
مقعد الرئاسة». فوافق مبارك على الأمر فوراً، قائلاً: «انتظروا فقط ريثما يأتي الأولاد
(علاء وجمال) ليلاً، (من القاهرة إلى شرم الشيخ)». وبدا أنه كان ينتظر منا ذلك القرار.
فتوجه إلينا عمر سليمان قائلاً: «الرئيس موافق». طلبت من سليمان أن يكلم الرئيس بعد
عشر دقائق ليقول له أن الموقف لا يتحمل لغاية الليل. «وبالتالي، سنذيع الخطاب عنك هنا».
ثم قام سليمان ليكتب كلمة التنحي في المكتب. وبعدها اتصل بالرئيس ليبلغه مضمون كلمة
التنحي، وأنه سيذيع الخطاب القصير للرأي العام، رفض طنطاوي أن يذيع هو الخطاب، طالباً
من سليمان أن يلقي الخطاب بنفسه. وبعد خمس أو ست دقائق اتصل سليمان بالرئيس مرة ثانية،
وقال له: «نحن نعتذر منك مرة ثانية، ولكننا مضطرون إلى أن نسرِّع الخطى في الأمر، وأن
نذيع خطاب التنحي سريعاً، لأن البلد «حتولع» في ثانية». فقرأ النص على الرئيس، فغيّر
كلمة «تنحي» ووضع كلمة «تخلي» مكانها. ثم حللوا معنى الكلمات الواردة في النص. ولم
ينتظروا حلول الليل، وإنما حتى تقلع طائرة الهليكوبتر ببقية أفراد أسرة الرئيس (زوجته
وأولاده) من القاهرة إلى شرم الشيخ. وفي رأيي أن كل ما فعلوه بعدها كان خطأ دستورياً.
فقد كانت هناك قواعد، إذ كان يجب أن يتسلم إدارة البلاد رئيس مجلس الشعب، أو رئيس المحكمة
الدستورية لو حل المجلس. ثم هناك نائب رئيس الجمهورية.
عندما أقلعت الهليكوبتر (التي تقل عائلة
الرئيس) من القاهرة، خرج عمر سليمان ليقرأ نص خطاب تنحي مبارك على شاشات التلفزيون.
وكنا سجلنا الخطاب وأرسلناه مع ضابط إلى عبداللطيف المناوي (رئيس قطاع الأخبار في اتحاد
الإذاعة والتلفزيون المصري) ليذيعه على شاشات التلفزيون المصري.
> هل طلب مبارك ضمانات بعدم محاكمته؟
- أبداً. لم يطلب شيئاً، أبداً.
> هل نصحه أحد بالمغادرة؟
- قيل أنه نُصح كثيراً بالمغادرة، لكنه
رفض. وقال في خطابه الأول: «أنا لن أغادر، ولدت هنا في مصر وسأموت فيها».
> هل عرضت عليه دول استضافته؟
- بالتأكيد، عرضت عليه بضع دول استضافته
بترحاب شديد. أعتقد أن دولاً عربية خليجية كانت مستعدة لاستقباله. وما زال بعض هذه
الدول يعتبر حتى اليوم أن النظام الذي قام (لاحقاً) لم يتبع الحد الأدنى من الأصول.
وأنا عندما كنت رئيساً للوزراء لم أكن أتردد في القول أنه علينا أن نقوم بواجباتنا،
وأن نحترم التقاليد، وأن نخترع تقاليد إن لم تكن موجودة.
فعلى سبيل المقارنة، كانت «ثورة يوليو»
(تموز) 1952 كاملة الأركان. توجه رئيس الوزراء حينها علي باشا ماهر ومعه قائد الثورة
محمد نجيب إلى الملك ووقفا أمامه وودعاه، فيما كانت المدفعية تطلق (تحية) له 21 طلقة.
وبالتالي، كان علينا أن نحترم أصول الدولة. وهذا ما كنت أطالب به، أن نترك مبارك حتى
أيلول (سبتمبر) 2011. «مش حيقدِّم ولا يأخَّر».
> عندما أعلن مبارك تخيله عن الرئاسة،
هل كانت الصيغة تتضمن أن يصبح المجلس العسكري هو المسؤول في البلاد؟
- لا. كان إعلان تخلٍ فقط.
> ولماذا تولية المجلس العسكري (الحكم
موقتاً)، ما دام هناك نائب للرئيس؟
- كان حسني مبارك عسكرياً حتى النخاع. والحق
يقال، إن القوات المسلحة كان دورها حيادياً تماماً، بل بالعكس، كانت القوات المسلحة
حامية للثورة. وذلك في وقوفها حول الميدان، واقترابها من الناس والأطفال. وهكذا، فإنها
لم تقم بأي شيء ضد الناس.
> هل كانت لدى مبارك مرارة بسبب إقدام
أحد ما، مثل باراك أوباما، على مطالبته بالمغادرة؟
- كان حسني مبارك، بالتأكيد، ممزقاً من
الداخل. ولكنه «تقيل جداً». ولا يظهر الهزيمة إطلاقاً. عندما خرج (للمرة الأخيرة) من
القصر ليذهب إلى شرم الشيخ، خرج بكل كبرياء، وكأنه عائد إلى القصر في اليوم التالي،
علماً أنه الخروج الأخير. كان يوحي للآخرين أنه كذلك.
> هل أصبح المجلس العسكري، عملياً، منذ
ذلك النهار مسؤولاً عن البلد؟
- نعم. كان المجلس العسكري أذاع سابقاً
«البيان رقم واحد»، في أواخر حكم مبارك، ما أوحى للشعب أنه مشارك في حكم البلاد.
> كيف ألغي دور عمر سليمان لاحقاً؟
- في ذلك اليوم، دخل علينا اثنان، وزير
العدل ممدوح مرعي ورئيس المحكمة الدستورية العليا فاروق سلطان. وقد أحضرهما المشير
ليقول للجميع (بطريقة غير مباشرة) إن الإجراءات التي ستتخذ هي قانونية.
وكنا التقينا ثلاثتنا سابقاً، أنا وسليمان
والمشير، ورأينا أن مجلس الرئاسة صعب. واتفقنا على اللقاء في اليوم التالي الساعة الثانية
عشرة ظهراً. وقبل الاجتماع، اتصلوا بنا لتأجيل الاجتماع حتى السابعة مساء. وبدأت تظهر
ملامح جديدة. وعند السابعة عقد الاجتماع في مقر حسين طنطاوي. وقال لي عمر سليمان ونحن
في الطريق إلى اللقاء، أنه قال للمشير: «أستأذنك بالذهاب إلى مكتبي في الاتحادية، في
مكتب نائب الرئيس». فأمسك المشير يده وقال له: «مكتبك إيه واتحادية إيه يا عمر؟ إحنا
عيش وملح. انت تجي تقعد جنبي هنا». فاستشعر عمر سليمان (من العبارة) تصفية دوره كنائب
للرئيس في مبنى الاتحادية.
من تلك اللحظة بدأت تظهر الصورة. وقيل أنه
عندما رجع (سليمان) إلى البيت، وجد هاتفه الثابت الذي يتصل به مع أجهزة الرئاسة كلها،
مقطوعاً. والشواهد كلها توحي بأن هناك تصفية لدوره.
وعندما عرف سليمان أن ليس له دور في المرحلة
المقبلة، استمر بعدها (في العمل الرسمي) على استحياء. بدأ يذهب إلى مكتبه القديم في
مبنى المخابرات. وكنت أٌخَطِّئه في ذلك. لأن العملية انتهت.
> وماذا عن دورك انت؟
- كانت فترة صعبة بالنسبة إليّ. وقد طلبت
من طنطاوي، مرتين، إحالتي إلى المعاش (التقاعد). وكان لدي المبرِّر لأن زوجتي كانت
مريضة. فكان جواب المشير في أحد المرات، بعدما طلبت منه إعفائي من مهمتي، بالقول:
«يا أحمد، انت عاوز تخربها وخلاص يا أحمد؟ إيه الكلام الفارغ ده»؟
لكني كنت واثقاً بأنني سأغادر، عندما أريد.
وذلك بحكم العلاقة وحكم المرؤوسين عنده، عندما يتمكنون من الأمر، وكذلك بحكم وضعي،
كوني كنت قائداً للقوات الجوية. وبالتالي، لم يكن هناك ارتياح لوجودي. ولكن كان يجب
أن أكون موجوداً في تلك المرحلة.
ومضى شهر وخمسة أيام. «وما فيش إبرة نقصت
في السوق، ومافيش مليم سحبته من الاحتياطي». بينما اليوم، معدل السحب من الاحتياطي
يبلغ نحو 2 بليون شهرياً من الخزينة، لو حسبنا الـ24 بليون التي سحبت في خلال السنتين
الماضيتين.
> كيف كانت علاقتك مع طنطاوي خلال تلك
المرحلة؟
- أنا أفهمه تماماً، وهو يعلم ذلك. كان
حريصاً جداً معي.
> ولماذا استقلت من منصبك؟
- هو أرادني أن أستقيل.
> هل طلب ذلك منك؟
- نعم، في اليوم الأخير، طلب ذلك على استحياء.
وقال لي: «كنت أنت طلبت الاستقالة سابقاً». فقلت له: «نعم. وأؤكد هذا الطلب اليوم.
على العموم نحن أخوة». وعندما أوصلني إلى باب السيارة، قال لي: «إياك أن تنسى يا أحمد
أننا نعرف بعضنا بعضاً منذ 20 سنة. واحنا أخوة». فقلت له: «أنا لم أتغير، لأن طموحاتي
لا تنتهي في ما كان يمكن أن أفعله، ولكني كنت أعرف أنها فترة موقته، وأنني لن أكون
الشخص الذي سيستمر معكم». وكنت غيّرت بعض الوزراء في تلك الفترة. وحلفنا اليمين أمامه.
وهو كان يعرف جيداً، خلال عملي في القوات الجوية، أن «الإدارة في الأهداف».
عندما استقلت (من منصبي)، سببت لهم إزعاجاً
شديداً. ففي اليوم التالي لاستقالتي، وبعد صلاة الجمعة، اجتمع حوالى أربعة آلاف شخص
على الأقل في حديقة أمام منزلي، رافضين خروجي من المنصب، ومطالبين بأن أعود رئيساً
للجمهورية. وظلوا يهتفون أمام منزلي حتى المغرب، مطالبين إياي بإعلان ترشيحي للانتخابات
الرئاسية. وأنا لم يكن في بالي إطلاقاً ذلك، بدليل أنه عندما كنت رئيساً للوزراء، كان
الناس يكتبون لي عبر «فايسبوك» ويطلبون مني الترشح للرئاسة. وكان عمرو موسى جاء إلى
مكتبي في رئاسة الوزراء ليبلغني نيته في خوض انتخابات الرئاسة وكان في آخر أيامه في
جامعة الدول العربية. فقلت له: «مبروك... واتكل على الله».
كما زارني في المنزل العالم المصري أحمد
زويل، ترافقه وزيرة التعاون الدولي فايزة أبو النجا. وتحدثنا عن الانتخابات المقبلة.
فقلت لزويل: «لماذا لا تترشح للانتخابات». وطلبت من كريم، زوج ابنتي، أن يحضر لنا
«اللابتوب»، لأكتب بياناً على الـ «فايسبوك» أشكر فيه جميع الذين يحبونني ويثقون بي،
وأقول لهم: دعونا جميعاً نوجه اهتمامنا إلى دعم أحمد زويل في ترشيحه لانتخابات الرئاسة.
ثم جاءني إلى مجلس الوزراء 3 أو 4 مرات ليطلعني على أفكاره والخطوط العريضة لمشروعه.
وفي ذلك الوقت، كان حسين طنطاوي ومجموعته
يطبخون شروط الترشح للرئاسة. فجاءني زويل لأتغدى معه. وقال لي أنه كان عند طنطاوي وسأله:
«ما معنى أن تضعوا ضمن شروط الترشح، أن تكون زوجة المرشح مصرية؟» والكل يعلم أن زوجة
زويل سورية. فوعده بأنه سيدرس الأمر. وأدركت عندها أن الشروط وُضعت لتحرم البعض من
فرصة الترشح.
وبقي موضوع ترشحي للرئاسة معلقاً مدة طويلة
جداً من دون أن أتخذ القرار في شأنه.
> هل كان دور رئيس الأركان السابق سامي
عنان كبيراً؟
- الناس كانت تتخيل أنه لعب دوراً رئيسياً،
ولكني كنت واثقاً بأن دوره لم يكن كذلك، لأنه لم يكن قريباً من المشير طنطاوي.
> كيف تصف مرحلة حكم المجلس العسكري.
ثمة من يقول أن الجيش أنقذ البلد من حرب أهلية...
- في أي مرحلة تقصد؟
> غداة تنحي مبارك وحتى موعد الانتخابات
الرئاسية...
- كان الجيش يحمي الثورة، «وحتجي الحرب
الأهلية منين»؟ أنا أرى أن هناك ثورة في مصر اليوم، إذ لا تمضي ست ساعات من دون تفاعل
في الشارع، إضراب هنا... وقطع طرق هناك. ثورة عام 1919 التي قادها سعد زغلول كانت كذلك،
وهي كانت أحسن ثورة في مصر وأكثرها شعبية ونجاحاً وعمقاً، طولاً وعرضاً.
فالشباب الذين قاموا بـ «ثورة 25 يناير»،
كانوا دعوا عبر الـ «فايسبوك» إلى الاعتصام أمام دار القضاء العالي للمطالبة بحل مجلس
الشعب وإعادة الانتخابات. ثم كبرت المطالب، ولم يكن مخططاً من قبل من افتتحوا الاحتجاجات
لما حدث لاحقاً في ميدان التحرير. استمرت العملية، حتى جاء يوم 28 يناير (كانون الثاني)
2011، وانسحبت الشرطة... فدخل «الإخوان»، ولحق بهم «الحمساويون».
> تقصد بهم جماعة حركة «حماس»؟
- طبعاً. وهذا ما ندفع ثمنه اليوم.
> يعني في رأيك أن «حماس» لعبت دوراً
في الثورة المصرية؟
- طبعاً، كان لها دور تدميري، ودور المعاونة
في القتل. أنا لا أقصد «حماس» كتنظيم، ولكن كعناصر جاؤوا إلى مصر، دخلوا وساهموا في
فتح السجون أيضاً.
هل تقصد أن «حماس» هي التي حررت محمد مرسي
من سجنه؟
- نعم. وصل أكثر من 50 «ميكروباصاً»، يضم
كل منها من 7 إلى 8 أفراد مسلحين. وكانوا يحملون هواتف «الثريا» للاتصال عبر الأقمار
الاصطناعية. وقد اتصل مرسي بقناة «الجزيرة»، عبر هاتف «الثريا»، ليبلغ مشاهديها بخروجه
من السجن.
> ما قصة «معركة الجمل» عندما كنت في
الحكومة؟
- «معركة الجمل» أتفه من التفاهة. حدثت
في 2 شباط (فبراير) 2011 غداة موقف كان اتخذه الرئيس مبارك، ما دفع مجموعة من المقيمين
في منطقة الهرم، وتشتهر بإعداد الخيل في المنطقة السياحية قرب أبو الهول، أو ما يعرف
بـ «نزلة السمان». جاءت مجموعة من راكبي الخيول، يبلغ عدد أفرادها حوالى 8 أو تسعة
بينهم راكب جمل واحد فقط. ودخلوا بالعصي وسيوف خشبية في شكل احتفالي وسط الميدان، وكان
الناس على وشك الانفضاض. وصعد أحدهم إلى إحدى المنصات في الميدان، وهتف بالمتظاهرين:
«أنتو رايحين فين؟ الناس جايين لكم، من ميدان جامع محمود». ثم دخلت الخيول، وجمل واحد،
وسط الجموع في شكل احتفالي، مثل فيلم هزلي. وخلال دقيقتين فقط، أصبحت مجموعة الفرسان
تحت أرجل المتظاهرين على الأرض، وتعرضوا للضرب الشديد.
أطلق على ذلك اليوم اسم «موقعة الجمل».
وفيلم الفيديو (الذي صور الواقعة) موجود. وبعد ساعات، وعند الحادية عشرة ليلاً، بدأت
قنابل المولوتوف المشتعلة تنزل على رؤوس المتظاهرين. كانت الليلة ملتهبة. وقد تابعتها
من منزلي على شاشات التلفزيون.
> ومن أطلق قنابل المولوتوف على المتظاهرين
ليلاً؟
- كاميرات الفيديو التي كانت تحملها طائرات
«الغازيل» فوق السطوح أظهرت أن «الإخوان» وأصدقاءهم من أصحاب اللحى، هم الذين أطلقوا
القنابل. وقيل أنه كان هناك «ليزر» أخضر، ومعروف أنه لم يكن «الليزر» الأخضر موجوداً
في مصر حينها.
> ولماذا استخدم الليزر...؟
- لدقة التنفيذ والتصويب، وهو ضمن البنادق
التي جاؤوا بها من الخارج.
> قيل أن جماعة الأحصنة هم بلطجية...
- لم يكن هناك بلطجية. صور الفيديو تثبت
ذلك.
> هل لعب أحمد عزّ دوراً سيئاً في مصير
النظام؟
- نعم، لأنه كان مسؤولاً عن التنظيم في
«الحزب الوطني» الحاكم. وكان له دور (سلبي) في انتخابات مجلس الشعب عام 2010.
في انتخابات مجلس الشعب عام 2005، فاز
«الأخوان» بـ88 عضواً، ثم أسقطوهم في المرحلة الثالثة. وأنا شخصياً لم يكن لدي مانع
في أن يكون لـ «الإخوان» في الانتخابات التالية (2010) 188 عضواً في مجلس الشعب من
أصل 500 عضو، ليكون ذلك متنفساً لهم. وكان هناك تنسيق معهم في انتخابات 2010، واتفق
بناء عليه أن يكون لـ «الإخوان» 45 عضواً في المجلس، و45 عضواً آخرين لحزب «الوفد»
(المعارضة اليمينية). وبضعة أعضاء لحزب «الغد».
وبعدها، ألغيت نتائج الانتخابات ولم يفز
فيها أي عضو من «الإخوان». وأعتقد أن أحمد أبو العز كان استشير في الأمر. وهو ينكر
اليوم أنه لعب دوراً في إلغاء مقاعد «الإخوان». وكان حبيب العادلي حينها وزيراً للداخلية.
> هل تنفي وجود فساد غير عادي في عهد
مبارك؟
- لا أبداً. لا يوجد اثنان يختلفان على
ذلك أبداً. كانت هناك مشروعات تقدم إلى مجلس الوزراء لا ترضي مخلوقاً أبداً. وكنا نختلف
عليها (بسبب الشبهات حولها). وأدعي أنني كنت العمود الفقري للجماعة التي وقفت ضد مشاريع
الفساد التي كانت ستمر في مجلس الوزراء.
يعتبر رئيس الوزراء المصري السابق الفريق
أحمد شفيق، أن المهمة الملحّة أمام المصريين اليوم هي إنقاذ بلادهم مما يسميه «سرطان
الإخوان»، لافتاً إلى أن استمرارهم في السلطة يمكن أن يؤدي إلى ذوبان مصر ودورها. ويرى
شفيق أن براعة «الإخوان» تقتصر على تأسيس الخلايا والعمل السري، وأن ليس لديهم أي خبرة
في الاقتصاد والأمن وإدارة الدولة. ويشدد على أن البرنامج الحقيقي لـ «الإخوان» هو
تأسيس إمارة دينية على طريق الخلافة. وهنا نص الحلقة الثالثة:
> دولة الرئيس هل أنت قلق على مصر؟
- أكثر مما تتخيل ومما يتخيل أي شخص.
> ما هو مصدر هذا القلق؟
- مصدر القلق أن مصر أصيبت فجأة، شأنها
في ذلك شأن أي شخص، بمرض سرطاني والعياذ بالله، وفرصتها في النجاة تتطلب علاجاً قاطعاً
لاستئصال المرض السرطاني الموجود فيها حالياً.
> هل أفهم أنك تقصد وصول «الإخوان المسلمين»
إلى السلطة؟
- طبعاً. أنا نفسي لم أكن أتخيل أنهم مرض
فظيع إلى هذه الدرجة. تأكد بما لا يدع مجالاً للشك أن «الإخوان» عبارة عن مرض سرطاني
تمكَّنَ من الجسم المصري. لا أدعي أن الجسم المصري كان نموذجياً، لكن الحقيقة أنه بدل
أن نصلح أنفسنا أتينا بخلية سرطانية ووضعناها في جسمنا.
> لماذا تمكّن ما تسميه الوضع السرطاني؟
- تمكّن في الدرجة الأولى لأن القيادة الموجودة
في هذا الوقت، وأتحدث هنا عمّا بعد الثورة، أعطته الفرصة للتمكّن. هي لم تكن مدركة،
بدليل أن كل شخص ممّن ساهموا في تمكين هذا المرض من الجسم المصري يداخله ندم شديد على
ما فعله، لكن الظروف أقوى من البعض أحياناً. أما عن المصري البسيط، فتمكّن منه المرض
لأن الدولة تركته جائعاً. يعزّ عليّ كثيراً أن أقول هذا الكلام وأنا مصري حتى النخاع.
الجائع يمكن أن تستدرجه بكيلوغرام من السكر وزجاجة من الزيت.
من مآثر جمال عبدالناصر، وأنا مختلف معه
في أمور كثيرة جداً، كلمات تُذكر له قال فيها: نريد ونحن نجري الانتخابات أن نفكر جيداً
في تأثير نقص العلم على نتائج الانتخابات، وتأثير الفقر على نتائج الانتخابات. يجب
أن نأخذ هذه الأمور في الاعتبار لنكون مدركين كيف حققنا هذه النتيجة.
> كان يقصد الأميّة؟
- نعم، وأوسع من الأمية بقليل، فالأميّة
ألاّ أقرأ ولا أكتب، لكن يمكن أن أكون أميّاً ويثقفونني.
> ويكون لديك حس سليم؟
- بالتأكيد، أكون تثقفت، أي يكون إدراكي
اتسع وتمكنت من استيعاب أمور بعينها وإن كنت لا أقرأ ولا أكتب، لكننا حَرَمنا كثيرين
التعليم والثقافة معاً. الثقافة ليست قراءة كتاب، بل تأتي من الاحتكاك وعدم التعب من
استيعاب الخبرات. هل كل متعلم، في مصر خصوصاً، يمكنك أن تعتمد حكمه على الأمور؟ كثيرون
من الشباب والرجال والسيدات قبلوا كيلو السكر وزجاجة الزيت مقابل أصواتهم، وهم ربما
متعلمون، بمعنى معرفة القراءة والكتابة.
> كأنك تتهم «الإخوان» بالاستيلاء على
السلطة؟
- أقل ما يمكن أن يقال في شأنهم هو سرقة
السلطة وليس الاستيلاء عليها.
> ماذا سرقوا؟ الثورة أم الانتخابات؟
- بداية هم من الجبناء. لا أريد أن أدّعي
أن كلهم جبناء، فهناك جبناء في الطبيعة وهناك نوع من الجبن مكتسب من البقاء في السجون
أو في وضع المطارد لفترة طويلة. ولا يغرّنك الحديث عن خبرة من أمضى عشر سنوات في السجن.
الإقامة في السجن أو التعرض للملاحقة والمطاردة لا يوفران بالضرورة خبرة. لا أبالغ
إذا قلت إن من يدعي الخبرة منهم في عالم الأعمال يبالغ هو أيضاً. الخوض في التجارة
لا يعني أنك تعرف في الاقتصاد والإدارة. هذه العقليات الخائفة أو السرية أو المتربصة
ستأخذنا إلى أغوار سحيقة جداً. ثم هناك الكذب واللغة المزدوجة، ثم القفز على أول فرصة
متاحة. أعلنوا في الساعات الأولى من الثورة أنهم لن يشاركوا في التظاهرات، لكنهم بقوا
متربصين بمنتهى الجبن، كالحرامي يتخفى وراء الجدار في الخارج، ولما وجدوا أن الثورة
دخلت يومها الرابع، والشرطة التي يعانون عقدةً نفسية تجاهها انسحبت، قفزوا ودخلوا الميدان،
وعندها استعان هؤلاء الجبناء بمن اعتقدوا أنهم أكثر قدرة منهم على القتال وضرب النار،
أي جيرانهم، وهم الناس الذين يعبرون الأنفاق.
> تقصد حركة «حماس»؟
- الله أعلم ما إذا كانوا «حماس» أم غير
«حماس».
> لكنك تقصد أنهم جاؤوا من غزة؟
- من هذا الاتجاه، بدليل أن السيارات التي
سُرقت وجدت بعد ساعات داخل غزة. الخط كان مفتوحاً. من أُفرج عنهم من السجون وفُتحت
لهم بوابات السجون أتوا عبر الأنفاق.
> إذاً أنت تقول إنهم استعانوا بأناس
من غزة، وإن الهجمات على بعض السجون لتحريرهم كانت من صنع هؤلاء؟
- طبعاً، وإلا فلماذا يعرقلون التحقيق في
الموضوع. إنه يلامس قيادات منهم، بمن فيهم رئيس الدولة، الذي يجب أن يُسأل عن كيفية
هروبه من السجن. أخبَروني أن وزارة الداخلية أصدرت بياناً تقول فيه إن لا أوراق لديها
في الموضوع. كيف ذلك؟ أنا أذعت في التلفزيون تسجيلاً لرئيس الدولة وهو يقف خارج السجن
ويخاطب محطة «الجزيرة» ويخبرها أنه هرب من السجن الذي يقع على بعد 25 كيلومتراً من
القاهرة. كلام بدائي جداً. وقال أيضاً: سأسرد أسماء زملائي الذين خرجوا معي، فلان وفلان
وفلان.
> وماذا عن القيادي «الإخواني» خيرت
الشاطر؟
- خيرت لم يكن معهم، خيرت أنا أخرجته من
السجن بعد أيام عدة من الثورة، لأنه كان مستقراً في السجن وقضيته مستقرة، وكان في السجن
مع مساعده حسن مالك، هما عاشا معاً فترات طويلة. خيرت بالأصل كان تاجر عملة، وكان يعمل
مع أخ فاضل هو مثال في الوطنية، مع أنه مغترب، كان يعمل عند أشرف السعد، الذي يعيش
الآن في لندن. في يوم من الأيام كان خيرت مساعداً له والثاني كان مساعداً للمساعد.
كانا في السجن.
> لماذا أخرجته؟
- كان هناك بعض القضايا التي كنت أراها
تتحرك أمامي وأنا عضو في مجلس الوزراء، ولم أكن سعيداً بها.
> ما هي هذه القضايا؟
- استيقظنا ذات يوم لنرى أن تغييراً طرأ
على حدود المحافظات، وبدلاً من أن أكون من سكان القاهرة وجدت نفسي من سكان حلوان. استحدثوا
محافظة، وهو موضوع يبقى مدار بحث في الدول المتحضرة لسنوات قبل اتخاذ القياسات التي
تجعلهم يصدرون حكماً في هذا الأمر، بينما هم استحدثوا في غيبة من مجلس الوزراء محافظات
وعدلوا الحدود. في ذلك الوقت، كنت أعتقد أن كل هذا يتم من أجل إدخال قطعة أرض زراعية
في نطاق الأراضي التي يمكن البناء عليها فتزيد قيمتها.
> في أي سنة تم ذلك؟
- قبل نحو سنة من الثورة. والقضية الثانية
أني كنت وجدت أن البعض أسس جمعية للمشروعات غير الهادفة للربح. هم أتوا بـ10 أو 15
شخصاً ودفعوا لكل منهم بين ألف وألفي جنيه، في ما يشبه النفاذ من ثغرات القانون، وحالهم
كالمثل التالي: ما دخل العدو من حدودنا إنما كالنمل تسلل من عيوبنا.
نحن نضيع أنفسنا. الجماعة هذه أنشأت جامعة
النيل، وبحجة أنها غير هادفة للربح أخذت كل المساعدات من الدولة: المباني والأرض والمعدات
والطلبة، وتقول إنها لا تهدف للربح! عندما تأتي بـ500 مليون جنيه في السنة وتقول إنك
توزعها معاشات وغيره، فهذا كذب، أنت فقط تخفي، وهذه الجامعة ستكون ملكاً لهذه المجموعة،
التي تضم بعض المسؤولين. وهناك أيضاً قضايا أخرى مشابهة: قيل لي إن الشاطر ومالك سجنا
في قضية غسيل أموال. في ذلك الوقت حصلت تظاهرة عسكرية قرب الأزهر بشكل غريب، وجنّ
«الإخوان» حينها، وأنزلوا بعض الشبان الذين يلبسون لباساً خاصاً وراحوا يؤدون حركات
قتالية. العدد لم يكن كبيراً، لكن كان للتظاهرة دلالاتها. أجروا تحقيقاً، ووجدت أنه
انتهى إلى أن خيرت اتُّهم بغسيل أموال ومعه حسن مالك. كان عندي شكوك أن هذه القضية
هي وسيلة لوضعهما في السجن، وهما كانا ربما يستحقانه لسبب آخر، لكن ذلك كان إحساسي
حينها.
بعد أيام عدة، كان عندي عماد الدين أديب
في المكتب، وكنت أحضرته وفكرت في أن أكلفه، لأنني شعرت أن له قدرة على الاقتراب من
العقليات الموجودة في الميدان، فحاولت أن أستثمر هذه القدرة ولو لستة أشهر. أخبرته
بأننا نريده لستة أشهر فقبل، وفي نهاية الجلسة قال إنه سيذهب إلى السجن لزيارة بعض
«الإخوان» هناك.
> كان سيزور خيرت؟
- هو لم يقل من سيزور، أنا تذكرت خيرت لأن
الموضوع كان عالقاً في ذهني، وأرسلت أطلب أوراقه من النائب العام. اعتقدت حينها أنه
يمكنني أن أعطيه الإعفاء من السجن، لكن القانونيين قالوا لي إنه ينبغي أن نطلب من النائب
العام ذلك، وقمت بذلك في اليوم نفسه، وأخرجناه طبياً (لأسباب صحية).
> هل تعتبر خيرت الشاطر الرجل الأقوى
حالياً في التنظيم؟
- من يعرفونه من قرب وأثق في رأيهم، يجدون
أنه الأعور بين العميان، لكن أين مكمن الخطورة؟ الخطورة هي أمر تراكمي: ماذا درست،
وماذا مارست، وما نوع الأزمات التي صادفتني. الازمات التي مر بها خيرت في حياته هي
حالات القبض عليه في كل مرة. كانوا كل مرة يمسكونه ويدخلونه السجن، لكن ما الذي تعرض
له في الحقيقة؟ هو كان محمياً في السجن، تحيط به الجدران من كل جانب، فمن أين تأتيه
الخبرة التراكمية، ومن أين تأتيه الخطورة. خطورة الشاطر مصدرها ضحالة الذين يتكلم معهم.
من يعتقد أن الشاطر خطر هو نفسه ضحل.
> هل تلمح إلى أن الرئيس محمد مرسي أيضاً
بلا خبرة؟
- ليس الرئيس، «الإخوان» كلاًّ هم بلا أدنى
خبرة أمنية أو اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية، كأننا لا نعيش في هذا القرن. السلة
كلها منعدمة الخبرة، يحكمون بالسليقة والأهواء. لا يمكن أن تتخيل مرجعيات قراراتهم،
سطحية إلى درجة لا يمكن تخيلها. هم طبعا بلا خبرة، ولا يوجد اليوم شخص في مصر يستطيع
إنكار افتقارهم إلى الخبرة.
> هل تعتبر وجودهم في السلطة خطراً على
الحياة السياسية أم على مصر؟
- وجودهم في السلطة خطر على كيان مصر. مصر
تذوي، إنها جبل تأكل منه الأمطار، التي هي «الإخوان» وقراراتهم.
> ما هو مصير مصر إذا استمروا في السلطة؟
- مصر لن تكون نفسها، وبما أن مصر لا يمكن
إلا تكون نفسها، بالتالي هم لن يكونوا ولن يستمروا في أي حال من الأحوال، لأن هذا ضد
طبيعة الأمور. تماماً كما لو وضعنا في مجرى السيل حجراً واعتقدنا أنه سيبقى، فالحجر
وإن لم تجرفه المياه سيتآكل مع الوقت، لكن السيل سيسير في طريقه. لن يرضى المصريون
العيش في ظل الانغلاق والاستبداد.
> من هو المرجع الفعلي اليوم في عهد
«الإخوان»، الرئيس أم المرشد أم من؟
- لا تستغرب كلامي. أنا تمرست في العمل
الإداري والقيادة لفترات طويلة جداً، وأدّعي أنني بقيت في مجالات الخدمة فترة طويلة،
وشاء لي ربنا أن أستمر في نشاطي حتى في مرحلتي الحالية التي يفترض أن أكون فيها متقاعداً.
عندما أتحدث عن الإدارة أرجو أن تعتبرني
من محترفي الإدارة إلى حد ما. ليس بين «الإخوان» مدير، بل صوت أعلى، بحكم التنظيم للكيان
«الإخواني». عندهم السمع والطاعة، من يكون في الموقع يطاع، لكن في الواقع ليست لديهم
خبرة الإدارة التي تنهض بمجتمع. هم يديرون الشكل الخاص بالجماعة، لذلك هم أكفاء في
الوصول بالخلايا إلى أدق مستوى، لأنهم منذ 80 سنة يشكلون الخلية، وكل ثلاث خلايا تشكل
خلية أكبر، وهكذا دواليك... منذ 80 سنة لا يفعلون إلا ذلك، والمطلوب منك أن تطلق لحيتك
وتتلقى المعونات وتبث فكرك المسموم في من تستطيع أن تؤثر عليه. ليس لهم ممارسة غير
ذلك، فكيف تتوقع أن يكون لهم قدرة على الإدارة. ما الذي يحصل اليوم؟ محمد الكتاتني
ترك مجلس الشعب قبل فترة، لكنه حتى اليوم يستعمل السيارات الخاصة برئيس مجلس الشعب،
ويستعمل جواز السفر السياسي الخاص برئيس مجلس الشعب، لماذا؟ لأن لا مرسي ولا الشاطر
ولا بديع المرشد يمكنه أن يأمره بترك السيارات، لأنهم شلة، ويعرف بعضهم بعضاً. هم مجموعة
من الممثلين وزعوا الأدوار بينهم، ولا اعتقد أن أحداً منهم يجرؤ على الآخر. أفراد هذه
العصابة يعرفون بعضهم بعضاً. هم جلسوا على الطاولة ووزعوا الأدوار، ليس بينهم من هو
أقوى من الآخر.
> وزعوا الدولة المصرية؟
- بالتأكيد. وزعت الدولة المصرية بينهم.
إذا عاينت اليوم مساعدي الرئيس تجد أنهم أقاربه. أحد أقاربه أمسك مجلس الشورى. الموضوع
أكبر مما تتخيل. لا أقول إنه جرأة من جانبهم، بل هو جرأة الجهل. عندما أكون جاهلاً
أُقدم على تصرفات قد تؤدي بي تراكمياً إلى مصيبة في يوم من الأيام، لكن كوني جاهلاً
لا أقوم بأخذ ذلك في الحسبان.
> إذا طلبت منك أن تصف أداء الرئيس مرسي
منذ انتخابه، كيف تختصره؟ هل هو مرتبك؟
- قبل أن أقول لك إذا كان مرتبكا أم لا،
أنصحك بأن تطّلع على نتيجة أدائه من حال الشارع المصري والمواطن المصري والسياسة المصرية
بعد عشرة اشهر في الحكم مدعمة بشهور سابقة عليها كان مجلس الشعب خلالها أيضاً مسيطراً
على الأمور قبل انتخاب الرئيس. ليس لديهم أي خبرة إدارية ولا علمية ولا أمنية. مرسي
أطلق قرارات عيّن فيها 13 مستشاراً، إضافة إلى المستشارين الذين لديه، وسمى احدهم للإشراف
على الأجهزة الأمنية، وهذا الرجل يمضي الساعات في ضيافة الرقابة الإدارية ليطلع على
ما هو دائر فيها ويشارك في تنظيم القضايا والتلفيقات التي اندمجوا فيها وفي لصقها بالموطنين
أياً كان الدور المطلوب. هذا الرجل جرى بينه وبين أحد الصحافيين الأجانب جدل طويل على
شاشات التلفزيونات، لأن هذا يدّعي أنه قال أمراً والآخر ينكره. هو قال إن اهتمامي الرئيسي
ليس أن أشرف على الأجهزة الأمنية، لكن سأقول إنني في المجلس الجديد سأرأس اللجنة المختصة
ببحث شؤون الأمن. هذا الشخص طبيب غير ناجح، واسمه غير معروف، وهذه صفة «الإخوان»، يقومون
بالدراسة والاجتهاد فيها ويلتحق البعض منهم بكليات الهندسة والطب، فتستغرب،كيف ألتحق
بكلية الطب لأعمل في الإغاثة بعد ذلك؟!! والسيرة الذاتية التي تخصني ليس فيها حرف واحد
عن ممارستي الطب، لأنني لا أمارسه. ندرة منهم من يعمل في تخصصه الأصلي.
> هل تتهمهم بأن لديهم برنامجاً سرياً
لإنهاء تداول السلطة والاستيلاء عليها في شكل نهائي؟
- هذا أمر مؤكد. كل تخطيطهم وما يدور اليوم،
من إحلال الموظفين القائمين حالياً في الإدارات المختلفة على مختلف المستويات في الدولة،
بآخرين من «الإخوان المسلمين»، يوحي بأنهم يطمعون في الاستمرار وتشكيل مجلس شعب يدعم
وجودهم. هم يفكرون على المستوى الطويل، والدليل على ذلك أنهم يقولون إن ليس المستهدف
مصر، بل يقولون «طز» في مصر.
> من يقول «طز» في مصر؟
- المرشد السابق محمد عاكف قال «طز» في
مصر، ولما قيل له: «طز في مصر؟»، قال: «طز وطزين في مصر. مصر لا تهمني، مصر يديرها
أي مسلم وليس بالقطع أن يكون مصرياً»، منهجهم خطير جداً.
> يريدون إحياء الخلافة؟
- نعم، يتطلعون إلى الإمارة الدينية القائمة
على الدين. أنا شخص مسلم وتسعدني نهضة الإسلام، لكن ما علاقة ذلك بأن تقوم الدولة على
أساس ديني. من غير المقبول أن نخلط أمور الدين بالسياسة إلى هذا الشكل، ونتطلع إلى
إعادة إنشاء إمارة دينية قوامها الدين الإسلامي. إنها عملية توظيف للدين في خدمة السياسة.
> فلنعد إلى الثورة، قلت إنهم انضموا
إلى الثورة في اليوم الرابع؟
- انضموا في 28، والثورة قامت في 25 يناير.
انضموا بعد انسحاب الشرطة.
> هل لديك ما تقوله عن انسحاب الشرطة؟
- أنا أستبعد تماماً أن يكون انسحاب الشرطة
ناتجاً عن خيانة أو غيره، ذلك أن من أصدر قرار الانسحاب سيكون مهدداً بالإعدام لو تمت
محاكمته، وليس منطقياً أن يضع نفسه تحت حبل المشنقة. لكن طبعاً كل هذه الأمور لا تخرج
عن نطاق سوء التصرف وسوء الإدارة. يحدث أحياناً في الأجهزة ومن ضمن سوء التصرف، أن
يعطي الشخص أو الطرف لنفسه حجماً أكبر من حجمه، أو يقدر نفسه أكثر مما يستطيع تأديته.
أتخيل أن الدور الذي لعبته الشرطة أكسبها
ثقة بالنفس أكثر من قدرتها الحقيقية. الشرطة ليست منشأة لمواجهة الجماهير، بل لمواجهة
المخالفات، حتى لو كانت كبيرة وفي شكل تجمع ضخم، شرط ألاّ يصل (التجمع) إلى أن يكون
الجماهير، وإلا تكون الشرطة تُستخدم ضد إرادة الجماهير، ويكون نظام الحكم الموجود ضد
إرادة الجماهير. قد أستطيع أن أنشئ شرطة لاحتواء 10 آلاف متظاهر، لكن لو كانوا 100
ألف متظاهر، فأيُّ شرطة تستطيع مواجهتهم ما لم تقتل؟ القتل ربما يجعل الآخرين ينصرفون،
لكن أيُّ نظام يستقيم إذا قامت أجهزة الشرطة فيه بالقتل؟ المفهوم كله خاطئ، وأنا لا
أستغرب أن الشرطة لم تستطع احتواء الموقف، لأن حجم الإقبال على الميدان كان أكبر من
الشرطة، وإلا فإنها كانت ستقتل.
> الثورة بدأت في 25 يناير، أين كنت
يوم بدأت الثورة؟
- كنت أمارس عملي وزيراً للطيران المدني.
> بماذا شعرت حين رأيت هذه الحشود؟
- تظاهرة اليوم الأول رفعت مطالب، وقد أتفق
مع بعض النداءات التي صدرت منها. ومع اليومين الثاني والثالث واستقرار التجمعات واستمرارها
في موقعها وتزايد أعدادها... بدأ يتضح أن الموضوع أكثر جسامة.