حصرياً بقلم الكاتب : أمين عبد الله حسن آل صفوان
عاش القس مارتن لوثر في وتنبرج و عمل في جامعتها أستاذاً في القانون و اللاهوت و كان شديد الإخلاص في عمله إذ أنه نذر نفسه لخدمة الله و أصبح معتكفاً على العبادة و العمل ، فكل وقت القس مارتن كان بين الرعية و طلاب الجامعة و الرهبانية . غير أن مارتن كان يعيش في زمن يصفه المؤرخون بالنعوت القبيحة و كثيرون هم من و صف الوضع في تلك الحقبة بأنه كالمجاري المفتوحة ، فالتصرفات المشينة كانت مستفحلة و الأعظم هو أن التصرفات المشينة تلك كانت بعين الكنيسة الرومانية و صادرة منها أحياناً . و التصرفات المشينة تلك كانت تحت نظر القس مارتن و علمه غير أنه لم يكن أخرساً حيالها إذ أنه بلطف و أدب أرسل الرسائل[1] للبابا ليو العاشر[2] ليعلمه عن الأخطاء التي ترتكبها الكنيسة و هو حينما كان يكتب خطاباته للكنيسة كان يفترض بأنه ابن الكنيسة و الدارس لتعاليمها على يد أساتذتها و أن الكنيسة خيرة و تسعى نحو صلاح نفسها و الأمة ، غير أن البابا ليو العاشر جابه تلك الخطابات بالرفض و أمر بإحراق مؤلفات البروفسور القس مارتن لوثر و تحركت كاردينالات روما ضد مارتن لوثر مطالبين بإعدام مارتن لوثر حرقاً أو إيقاف أنشطته و أعماله بعد أن يتراجع عن مؤلفاته التي اعتبروها مناهضة لهم ، و أهم اعتراضات القس مارتن كانت عن الغلو في تعظيم الآثار المسيحية إذ أن الكنيسة كانت تستغل الآثار لجباية المال و تبث في الناس مفاهيم خاطئة تعارض التعاليم المسيحية السليمة . كما عارض تجارة الغفران فالكنيسة كانت لها أسعار للغفران و يصف القس مارتن تلك التجارة مازحاً فيقول "لقد حررت جدي من المطهر عندما دفعت للكنيسة مالاً لذلك الغرض غير أنني تحسرت لأن رأسمالي لم يكن كافياً لتحرير عمي و بقية أفراد أسرتي" و يردف القس مارتن على اعتراضه في هذا الأمر فيقول "إن كانت الكنيسة قادرة على أن تخلص الناس من جهنم بالنقود فحري بها أن تفعل ذلك مجاناً بدافع الحب" . و على الرغم من أن اعتراضات مارتن لوثر جوبهت بالتعسف من قبل الكنيسة الرومانية إلا أنها جوبهت بالقبول من النخبة و المثقفون في ألمانيا و على رأسهم الأمير "فريدريك" أمير سكسونيا الذي جمع مقتنياته من الآثار المسيحية و أخفاها عن العموم سداً للذرائع ، و تلك المقتنيات كانت تستغل من قبل الكنيسة الرومانية لجباية الأموال إذ أن النظر إليها يقلل عذابات الإنسان في المطهر 500 عاماً بحسب ما تبثه الكنيسة الرومانية في الناس . و ممن ساند لوثر أيضاً البروفسور كاليسترد الذي كان يراجع أعمال القس مارتن و يتأكد من أنها متوافقة مع الأسس العلمية و تتمتع بالمعايير المناسبة و الجدير بالذكر هنا هو أن البروفسور كاليسترد هو من أنفعل حين شاع خبر اغتيال مارتن لوثر و في حينها ثار البروفيسور كاليسترد و خطب خطبة ثورية في الجامعة قال فيها : إن على كل من يسمي نفسه زعيماً أن يحدد موقفه فإما أن يكون مع الحقوقيون أو ضدهم فلا توجد اليوم أرض وسطى ، و في تلك الخطبة الثورية أعلن البروفيسور رهبنته و استقال من منصبه في الجامعة و أصبح اسمه بعدها "الأخ أندرياس" و أغلقت الجامعة أبوابها بسبب إضراب الأساتذة و المظاهرات التي كان للبروفيسور كاليسترد فيها دوراً مهماً ، غير أن البروفيسور مارتن لوثر لم يتم اغتياله بل اختطف من قبل أحد مناصريه "سبالتين سكرتير أمير سكسونيا" و قد كان ذلك بعلم الأمير فريدريك إذ أن الكاردينال "أليندر" قد أوعز لحراس مارتن باغتياله غير أن الحراس كان ولائهم للأمير الذي تدارك الأمر و أخفى مارتن و أشاع بأن مارتن قد تم اغتياله [3]، و أبرز اللحظات في حياة مارتن كانت لحظات محاكمته ، و قد بدأ الأمر عندما قرر البابا ليو معاقبة القس مارتن فإما أن يتراجع عن قناعاته و يتم إيقافه عن العمل و تمنع مؤلفاته أو يعدم حرقاً بتهمة الهرطقة و كلا الأمرين صعب ، و بالفعل تم إشعار القس مارتن بأن عليه المثول أمام الكاردينال "كاجيتان" في كنيسة "أوجسبورج" التي ترهبن فيها ، و انصاع مارتن للاستدعاء و امتثل أمام الكاردينال كاجيتان غير أن النقاش كان ممنوعاً و الحكم كان قد صدر فإما التراجع أو الإعدام و بعد أن امتثل أمام الكاردينال "كاجيتان" بلحظات طردته كنيسة "أوجسبورج" وتبرأت منه دون أن تشعر الكاردينال ، و هي بفعلها ذلك تكون قانونياً غير مضطرة لتسليمه للسلطات . و مع ذلك التحرك الجاد من قبل الكنيسة كان لزاماً على الأمير فريدريك التعامل مع الأمر فهو الجهة الرسمية التي عليها تسليم لوثر ، و كان رد فعل الأمير هو المطالبة بمحاكمة عادلة للقس لوثر في بلاده و هذا ما ضمنه له الإمبراطور الروماني ، و بالفعل عقدت المحاكمة وكان الحضور رفيع المستوى ، إذ حضر المحاكمة الإمبراطور الروماني و أمير سكسونيا و الكاردينال أليندر و عدداً كبيراً من وجهاء روما و سكسونيا و الكنيسة الكاثوليكية ، غير أن المحاكمة عندما عقدت لم تستغرق سوى يومين ففي اليوم الأول وجه السؤال إلى مارتن إن كان يقر بأنه قد كتب ما كتب من مؤلفات و هل يتراجع عن قناعاته ، فأجابهم بأن الكتب هي من تأليفه غير أنه يود أن يجيب بإسهاب دون أن يعرض نفسه للخطر فمنحوه يوماً واحداً حتى يفكر و عليه أن يجيب في اليوم التالي ، و في ثاني أيام المحاكمة لم يطل الأمر أيضاً فجواب مارتن لوثر أمام الإمبراطور و المحكمة كان "بما أن جلالتكم تطلبون طلباً منطقياً برد بسيط سأجيب : ما لم أقتنع بالنصوص و الأسباب الواضحات و ليس بحسب أهواء الباباوات و المستشارين الذين خسروا مصداقيتهم بأفعالهم الشائنة ، فضميري مرتبط بكلمة الله و لن أخالف ضميري ، إنني لا أستطيع أن أتراجع عن كتاباتي و لن أتراجع عنها و على هذا توقف رأيي و لن أفعل غير هذا و ليساعدني الرب " فضجت المحكمة بالهتافات و عجز القاضي أن يضبط الجلسة بسبب الهتافات في القاعة غير أن القاعة صمتت لا لأن القاضي يأمرهم بالانضباط بل لأن الأصوات خارج المحكمة كانت أعلى من داخلها فسكت الجميع مندهشين من هتافات الحشود خارج القاعة التي كانت تنادي باسم لوثر فلأجل لوثر انتفض الشعب الألماني و هبوا لنصرته ، و في ذلك اليوم مع اندلاع الثورة و خروج الناس في الشارع لأجل البروفسور لوثر علم الأمير فريدريك أمير سكسونيا عبر الحرس الإمبراطوري بأن الكاردينال أليندر قد أعطى أمر باغتيال القس مارتن فأمرهم بإيهام الجميع بأن المؤامرة ضد مارتن قد نجحت و أن يخطفوا القس مارتن إلى مكان آمن من الخطر و هذا ما فعلوه . غير أن الشعب الألماني ثار و ضاج و نادى بالثأر من قتلة القس مارتن لوثر و عمت البلاد الفوضى مما جعل الأمير فريدريك يأمر بإظهار القس مارتن و إعادته للمجتمع الألماني و اختار له قصره ليعيش فيه آمناً من الخطر ، و الجدير بالذكر أن مارتن قد ألف كتاباً جديداً خلال غيبته و موجهاً ذلك الكتاب إلى الأمير فريدريك شارحاً فيه سلامة مؤلفاته من التدليس و الافتراءات على الكنيسة ، و في القصر تزوج مارتن ضارباً بقانون العزوبية عرض الحائط مما أثار حنق الكاردينالات فمارتن أصبح رسمياً مؤسس المذهب البروتستانتي المذهب الرسمي لسكسونيا و تبعه في ذلك نخبة سكسونيا و شعبها ، و لم يكن الأمر سهلاً عليهم بالطبع إذ أن أدنى التقديرات تشير إلى سقوط 15 ألف قتيل من وتنبرج أبان غيبة القس مارتن كلهم ماتوا في سبيل الثورة ضد روما و كان الأمر مؤلم جداً بالنسبة إلى القس مارتن إذ قتلوا أعز من هم حوله كالطفلة المعاقة "جريتا" و أمها الفقيرة بائعة الحطب "حنا" و خادمه و تلميذه "إريك وندر" و كان الخراب في كل مكان فالجنود كانوا يقتلون الرجال و الأطفال و النساء يسبون منهم ما يستطيعون و يقتلون من لا يستطيعون أسره و يروي التاريخ قصة "كاثرينا فانبورا" المسبية التي أمضت ثلاثة أيام حبيسة في عربة مع نساء سبايا و عندما تمكنت من الهرب أمضت يومين هائمة لا تجد مأوى آمن يقيها مخاطر العودة للأسر ، تلك المصائب التي واجهت الألمان هي سبب استقلالية سكسونيا [4] . و مذهبهم أسس له المعارض مارتن لوثر عزيز ألمانيا الذي ترجم الألمان معزتهم له بالثورة و فدوه بأرواحهم حتى بلغ عدد القتلى 15 ألف إنسان في أثناء غيبته فقط بحسب أدنى الإحصاءات .
مصادر المعلومات :
فلم لوثر من إنتاج Thrivent Financial For Lutherans وNFP Teleart من بطولة و أداء جوزيف فينس و ألفريد مولينا و جنوثان فيرث و كلير كوكس و السير بيتر أوستنوف و برونوجانز .مزيداً من المعلومات عن الفلم في الويكيبيديا "باللغة الإنجليزية"
[1] كان إرسال الرسائل للبابا ليو العاشر سهلاً على القس مارتن إذ أنه كان يحمل بريد كنيسة أوجسبورج إلى روما قبل أن يصبح بروفسور في الجامعة .
[2] البابا "ليو" العاشر أسقف روما خليفة القديس بطرس و الزعيم المقدس للكنيسة الكاثوليكية و بحسب المؤرخين هو من أحد رموز فساد الكنيسة الكاثوليكية و قد تقلد منصب كاردينال عن عمر 13 عاماً .
[3] لم يكن الأمير فريدريك يسعى للاستقلال كما أنه لم يكن معادياً لروما غير أنه كان يتحرى العدالة في ما يفعل و عندما بلغ الأمر حد المؤامرة على حياة القس مارتن اضطر إلى خطفه و إخفائه حفاظاً على حياته ، كذلك الأمر بالنسبة إلى الكنيسة في وتنبرج التي اضطرت إلى طرد مارتن كي لا تضطر إلى تسليمه إلى السلطات . و الجدير بالذكر أن مارتن عندما ظهر للعلن من جديد عاش في قصر الأمير فريدريك و في حمايته غير أن الأمير في حينها قد أعلن معارضته للكنيسة و تحولت المحاكمات من استهداف مارتن إلى استهداف الأمير فريدريك و حاشيته .
[4] من الحقائق التاريخية في تلك الحقبة أن كاتدرائية القديس بطرس التي بنيت في عهد البابا ليو العاشر كان تمويلها من المصرفي "فوجر" الذي أقرض الكاردينال "ألبرت" رئيس أساقفة برادنبرج مبلغ 10 آلاف قطعة و كانت جدوى القرض قائمة على أساس "صكوك الغفران" التي يروج لها القس "جون تتزل" و تلك الصكوك هي نفسها التي اشترتها الطفلة "جريتا" و اعترض عليها القس مارتن و كانت سبباً لمقتل الألوف من الألمان الذين كانوا يوماً مصدراً للمال بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
DownLoad Links
DuckLoad
http://takemyfile.com/946110

HotFile
http://takemyfile.com/946111

TurboBit
http://takemyfile.com/946112

FIleServe
http://takemyfile.com/946113
~~~~~~~~~~~~~~
DownLoad @ 200 Mb Per Link
SeedShare
http://takemyfile.com/946114
http://takemyfile.com/946115

SeedFly
http://takemyfile.com/946116
http://takemyfile.com/946117

Uploaded
http://takemyfile.com/946118
http://takemyfile.com/946119

FileSonic
http://takemyfile.com/946120
http://takemyfile.com/946121

Mlfat4Arab
http://takemyfile.com/946122
http://takemyfile.com/946123

NetLoad
http://takemyfile.com/946124
http://takemyfile.com/946125

Takhzen
http://www.takhzen.com/W1zZxh
http://www.takhzen.com/NzESP2
لمزيد من الموضوعات المفيدة و الشيقة لا تتردد بالتسجيل كمتابع لمدونة مقتطفات من الشبكة
DuckLoad
http://takemyfile.com/946110

HotFile
http://takemyfile.com/946111

TurboBit
http://takemyfile.com/946112

FIleServe
http://takemyfile.com/946113
~~~~~~~~~~~~~~
DownLoad @ 200 Mb Per Link
SeedShare
http://takemyfile.com/946114
http://takemyfile.com/946115

SeedFly
http://takemyfile.com/946116
http://takemyfile.com/946117

Uploaded
http://takemyfile.com/946118
http://takemyfile.com/946119

FileSonic
http://takemyfile.com/946120
http://takemyfile.com/946121

Mlfat4Arab
http://takemyfile.com/946122
http://takemyfile.com/946123

NetLoad
http://takemyfile.com/946124
http://takemyfile.com/946125

Takhzen
http://www.takhzen.com/W1zZxh
http://www.takhzen.com/NzESP2
لمزيد من الموضوعات المفيدة و الشيقة لا تتردد بالتسجيل كمتابع لمدونة مقتطفات من الشبكة